خان يونس 1-7-2025 وفا- طارق الأسطل
في منطقة المواصي غرب خان يونس، حيث يلتحم الغبار برائحة الحطب والدمع والبارود، تدير النازحة نعمة أبو موسى (33 عامًا) تنورًا بدائيًا لطهو الخبز. ليس مصدر رزق أو تجارة، بل وسيلة وحيدة للحصول على رغيفي خبز تُطعم بهما أطفالها الثلاثة الذين أنهكهم الجوع.
تقول أبو موسى في حديثها مع (وفا): "لم أعد أملك ثمن الطحين... فكيلو الغرام الواحد وصل إلى 40 شيقلا، وهو رقم خارج على حدود قدرتي. لذلك بدأت أقدّم خدمة طهو الخبز للنازحين مقابل الحصول على بعض الأرغفة".
وتضيف: "بعض النازحين يجلبون العجين ومعه الحطب، وأنا أطهوه مقابل رغيفين فقط. أحيانًا لا يأتي أحد، لأن الناس هنا عاجزون أيضًا عن الحصول على الطحين".
وتصف أبو موسى الظروف في خان يونس بـ"الكارثية"، مشيرة إلى أن الطحين يُسرق على أيدي اللصوص قبل أن يصل إلى المحتاجين، فيما لا تجد المنظمات الإنسانية القدرة على تأمين الكميات اللازمة.
"زوجي حاول الذهاب أكثر من مرة إلى مراكز التوزيع في رفح، لكنه كان يعود خالي الوفاض أو معرضًا للموت، فهناك قنص وإطلاق نار عشوائيان، وكأن الحصول على الطعام جريمة" قالت أبو موسى، وأضافت: "كل ما أريده هو أن تتوقف الحرب، وأن نعيش حياة بسيطة فيها أمن وقوت يومنا فقط".
وبجوارها، تجلس النازحة سناء الأسطل (45 عامًا)، تنتظر خبزها، وتصف فكرة "الخبز مقابل الطهو" بأنها وسيلة فعالة للبقاء.
"هي تطعم أبناءها، وأنا أحصل على خبز جاهز دون عناء. إنها معادلة تحقق المنفعة للجميع"، تقول الأسطل، وتضيف:
"الطحين أصبح عملة نادرة... فقد اشتريته مرة بـ60 شيقلا لكيلو الغرام الواحد، وأخرى بـ50 وثالثة بـ45، وأقلها بـ35، وكلها أسعار لا يمكن تحمّلها، لكن ماذا أفعل؟ أنا أمّ لأربعة أطفال، ولا أستطيع أن أتركهم جوعى".
وتروي الأسطل مأساة فقدان زوجها قبل 6 أشهر، حين أعدمه جنود الاحتلال داخل منزلهم في السطر الشرقي بخان يونس، وتركوا جثته ملقاة في الشارع لثمانية أيام. تقول: "بعدها، لم أعد أجرؤ على تعريض أطفالي لخطر الخروج بحثًا عن الطعام، فالموت في كل زاوية".
وفي انتظار دورها، تؤكد النازحة نداء الغلبان (42 عامًا) أنها أيضًا تُفضّل هذه الطريقة التي وصفتها بـ"تبادل المنفعة الإنسانية"، مضيفة:
"هذا النموذج البسيط يعكس تماسك المجتمع الفلسطيني رغم الألم، فالجميع يحاول المساعدة، بطريقة تحفظ الكرامة وتُبقي على رمق الحياة".
وتعكس هذه القصص حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها النازحون في قطاع غزة، حيث تحوّل الخبز إلى سلعة نادرة، وأصبح تأمينه مسألة حياة أو موت. وبينما يغيب الدعم الفاعل وتفشل الآليات الدولية، يبقى الفلسطينيون يبتكرون أبسط أشكال التضامن والتكافل للبقاء في وجه الجوع والحصار والعدوان.
ـــــ
/ ف.ع