رام الله 26-6-2025 وفا-رامي سمارة
بالكاد تمكن المواطن عافي عفيف حمايل من انتشال طفلته التي كانت ترقد في مهدها، داخل غرفة أحرقها مستعمرون في منزل العائلة الذي يقطن فيه 19 فردا، ضمن الهجوم المتطرف الذي شهدته قرية كفر مالك، شمال شرق رام الله، مساء الأربعاء.
وقت الهجوم، كان في المنزل 13 طفلاً تتراوح أعمارهم بين عام و10 أعوام، إضافة لوالديّ عافي المسنين وشقيقه وزوجتيهما.
كان الهجوم مباغتاً ومنظماً على طريقة العصابات، وشارك به عشرات المستعمرون، تفرقوا على مجموعات لكل منها مهمة محددة ضمن خطة متدحرجة، كما يعتقد أهالي القرية.
الفرقة التي هاجمت عائلة عافي، قام أفرادها أولاً بكسر زجاج مركبته المتوقفة أمام البيت ورشقها بمواد حارقة وإشعال النيران فيها، ثم تم اقتحام باحة المنزل وكسر زجاج نافذة غرفة كانت تؤوي الطفلة ذات الشهر الواحد، وألقيت داخلها زجاجة حارقة، بعدها راحوا يهاجمون الطابق الثاني بذات الطريقة.
يبين عافي لصحافيين توافدوا على منزله كيف بدا له أن ما حدث كان معد له مسبقا، بما يشمل الطرق التي سيسلكها المستعمرون، والنقاط التي سيهاجمونها، والكيفية التي تمكنهم من إلحاق أكبر ضرر وضمن أوسع مساحة ممكنة.
ويقدّر عدد من شنوا الهجوم بما لا يقل عن 50 مستعمرا، وزعوا أنفسهم على مجموعات، إحداها هاجمت بيته وأخرى توجهت صوب منزل ابن عمه المجاور وبيوت الجيران القريبة.
ووفق مشاهداته، فإن طريقتهم في تحطيم الزجاج وإلقاء القنبلة الحارقة لا تشير إلى عمل ارتجالي بل هناك من خضع لتدريبات على ذلك، ومن عمل على ترتيب العملية ووضع توقيت لها وطلب الحماية لها، وبرهان ذلك قوة من جيش الاحتلال رُصدت على مقربة من موقع الهجوم قبل وقوعه بقليل.
يقول: "لفت انتباهي أن ثلاثة مستعمرين حضروا قبل ثلاث ساعات من الهجوم، وأعدوا الحجارة التي سيهاجموننا بها ووضعوها على جانب الطريق، ولم أكن أتوقع أن ذلك مقدمة لأمر ما، كما أن جيش الاحتلال حضر إلى المكان قبل هجمة المستعمرين بنصف ساعة تقريبا".
حتى استهداف من يستبسل في الدفاع عن القرية وسكانها كان يبدو قد أقر سلفاً، وبحجة أن المستعمرين أصبحوا الطرف الضعيف في المواجهة أو أنهم أمام خطر سلاح فلسطيني يتهددهم، كان جنود الاحتلال يطلقون النار بهدف القتل.
مرشد نواف حمايل، أحد الشهداء الثلاثة الذين ارتقوا خلال تصديهم لهجوم المستعمرين على كفر مالك، أطلق جنود الاحتلال النار على رأسه أمام منزله وعلى مرأى من أفراد أسرته.
انطلق مرشد لنجدة جاره عافي وعائلته، بعد أن بدأت النيران تدب في منزلهم بفعل الحرائق التي أضرمها المستعمرون، وتوجه للمساعدة في إخلاء الأطفال والمسنين الذين أصيبوا بالاختناق بفعل الدخان المتصاعد.
وعندما انتهى عاد لبيته، ليفاجئ بفرقة أخرى من المستعمرين قد بدأت تهاجم المنزل فيما النيران تندلع بمركبة متوقفة أمامه.
على عجل، أخلى أسرته من المنزل، وعاد ليغلق الباب فأطلق جنود الاحتلال النار على رأسه. "قتلوه باب الدار"، تقول زوجته، وتشير إلى الساحة الخارجية التي تناثر عليها دمه.
ورغم الدماء التي نزفت من جثامين ثلاثة شهداء وعشرة جرحى خلال تصدي أهالي كفر مالك لهجوم المستعمرين، إلا أن القرية خرجت بـ "أقل الخسائر" وفقاً للناشط المجتمعي طارق عثمان.
فـ"الذئاب المنفلتة" كما وصفهم، لم يقتحموا القرية للتنزه أو الاستكشاف، بل لـ"يحرقوا البلد عن بكرة أبيها"، ولولا ثقافة المواجهة بالصدور العارية ومن نقطة الصفر لوقع الأسوأ.
وأضاف عثمان أن المستعمرين لم يعودوا يكتفوا بالأرض التي يستولون عليها أو يمنحها الجيش لهم، بل أصبحوا يقتحمون البيوت ويهاجمونها ليتخلصوا من سكانها.
ووفقاً لعضو إقليم حركة "فتح" في محافظة رام الله والبيرة جعفر حمايل، فإن قريته كفر مالك، التي تمتد أراضيها من جبل العاصور إلى عين العوجا على مساحة تفوق 50 ألف دونم، مستهدفة من سنوات طويلة.
وأشار إلى أن الاحتلال استولى على معظم أراضي القرية، وتبقى منها ما مجموعه 4000 دونم، فيما يفرض عليها حصار منذ عدة أشهر بإغلاق المداخل إليها كافة، باستثناء ذلك الطريق الذي يربطها بقرية خربة أبو فلاح شمالاً.
وذكر حمايل أن الطريق الرئيسي إلى كفر مالك تمر عبر جبل العاصور، الذي يتربع عليه موقع عسكري لجيش الاحتلال، وتم إغلاق هذا الطريق قبل نحو 6 أشهر، والطريق الأخرى المؤدية إلى منطقة عين سامية مغلقة.
وبين أن الوقت التقديري للوصول من كفر مالك إلى مدينة رام الله لا يزيد عن 15 دقيقة قبل الإغلاقات، أما اليوم فلا يقل الوقت اللازم عن ساعة وعشرين دقيقة، هذا دون حواجز إضافية لجيش الاحتلال أو أزمات على الطريق، ولذلك نزف جرحى التصدي للهجوم واستشهد 3 منهم، نتيجة المسافة الطويلة التي اضطرت مركبات الإسعاف لاجتيازها من أجل الوصول بهم إلى أقرب مستشفى في رام الله.
ورداً على مزاعم جيش الاحتلال بأن إطلاق النار على أهالي قرية كفر مالك كان في إطار استهداف مسلحين فلسطينيين، قال جعفر حمايل: "نعم. كنّا مسلحين إذا اعتبروا أن الحجارة التي كنا نحملها للدفاع عن بيوتنا ونسائنا وأطفالنا، هي سلاح".
وأسفر هجوم المستعمرين على كفر مالك عن استشهاد ثلاثة شبان وإصابة سبعة آخرين برصاص المستعمرين وجنود الاحتلال، وفقا لوزارة الصحة، بالإضافة إلى إحراق مركبات ومنازل.
وشارك أبناء شعبنا في محافظة رام الله والبيرة، الخميس، في تشييع جثامين الشهداء الثلاثة: مرشد حمايل، محمد الناجي، ولطفي صبري، إلى مثواهم الأخير في مقبرة القرية.
ويوم الإثنين الماضي، قتلت قوات الاحتلال لاعب منتخبنا الوطني للمواي تاي للناشئين، الطفل عمار معتز حمايل (13 عاما) بإطلاق رصاص بشكل مباشر عليه في القرية.
وبالتوازي مع حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، صعد جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستعمرون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، ما أدى إلى استشهاد نحو 1000 مواطن، وإصابة نحو 7 آلاف آخرين، واعتقال أكثر من 17500، وفق معطيات رسمية.
ــــ
ع.ف