أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 13/12/2025 01:27 م

استهداف الأطفال.. جريمة حرب تتحول إلى نهج للاحتلال


طوباس 13- 12-2025 وفا- إسراء غوراني

منذ مطلع العام الجاري، وثّقت مؤسسات حقوقية استشهاد أكثر من 50 طفلًا فلسطينيًا في الضفة الغربية، خلال الاقتحامات المتكررة، واستخدام الاحتلال الإسرائيلي القوة المفرطة ضد المدنيين.

ومن اللافت أن استهداف الأطفال تصاعد بشكل ملحوظ خلال هذه الاقتحامات بالضفة، تزامنا مع حرب الإبادة على قطاع غزة، التي استشهد فيها أكثر من 70 ألف مواطن، بينهم أكثر من 18 ألف طفل، وفق الإحصائيات الرسمية.

انتهاكات مركّبة

وتشهد مؤخرا حوادث استهداف الاحتلال للأطفال وقتلهم في الضفة الغربية انتهاكات مركّبة في حدث واحد، ومنها إطلاق الرصاص المتعمد، ومنع تقديم الإسعاف، ثم احتجاز الجثامين.

حادثة استشهاد الطفل جاد الله جهاد جاد الله (15 عاما) خلال اقتحام مخيم الفارعة جنوب طوباس، بتاريخ 16 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، كانت من الحالات الأخيرة التي شهدت تفاصيل صادمة وكشفت وحشية الاحتلال في استهداف الأطفال.

تروي أم قصي والدة الطفل لـ"وفا" تفاصيل يوم استشهاد نجلها قائلة: "اقتحم الاحتلال المخيم في وضح النهار، وقلقنا كثيرًا لأن جاد كان خارج المنزل. علمنا بإصابته من الأهالي في المنازل المجاورة الذين سمعوا الجندي يسأله عن اسمه وهو مصاب وينزف".

وتتابع: "كان العذاب لا يُحتمل. نعلم أن جاد مصاب، لكننا عاجزون عن مساعدته. الجنود منعوا الإسعاف من الوصول إليه وتركوه ينزف على الأرض. وبعد انسحابهم، أخذوه مصابًا، ثم أبلغونا لاحقًا باستشهاده واحتجاز جثمانه".

لا تتوقف الأم المكلومة عن مناشدة المؤسسات الحقوقية والدولية للتحرك والضغط لتسليم جثمان نجلها لتتمكن على الأقل من احتضانه ومواراته الثرى.

كما لا يخفى على من يحدّث أم قصي الحزن العميق الذي يعتصر قلبها، وهي تروي أن نجلها قبل استشهاده وعلى مدار عامين كان يعاني من آلام شديدة من تبعات إصابة سابقة في ركبته.


الشهيد جاد الله جاد الله

كان جاد قد أصيب برصاص الاحتلال قبل عامين خلال اقتحام سابق للمخيم، في ذلك اليوم استشهد سبعة من أبناء المخيم وظل هو يعاني من تبعات إصابته.

تقول الوالدة: "رغم صغر سنه إلا أنه كان يؤدي فروض الصلاة جالسا على كرسي، فهو يواجه مشقة كبيرة في ثني ركبته".

وفي رواية طواقم الإسعاف، يقول مدير الإسعاف والطوارئ في محافظة طوباس نضال عودة إنهم تلقوا بلاغًا عن إصابة طفل في المخيم، فتوجهت فرقة ميدانية وتبعتها على الفور مركبة إسعاف، ثم مركبة إسعاف ثانية على أمل الوصول إلى الطفل المصاب".

ويضيف: "حاولت الطواقم لمدة 35 دقيقة الوصول إلى الطفل، لكن الجنود منعوا المسعفين وأطلقوا النار في الهواء وهددوهم".

تعيد هذه الحادثة إلى أذهان أهالي المخيم حادثة استشهاد الطفل ماجد أبو زينة قبل أكثر من عام، حيث تُرك ينزف، ومُنعت الطواقم الطبية من الوصول إليه، ثم نُكّل بجثمانه عبر جرافة عسكرية ألقته في الشارع خلال انسحاب قوات الاحتلال.

إصابات متعددة

انتهاكات خطيرة ومتزايدة بحق الأطفال يتم توثيقها مؤخرا خلال اقتحامات محافظة طوباس، ومنها ما حدث بتاريخ 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي مع الطفل أحمد دراغمة الذي أطلق عليه جنود الاحتلال الرصاص عدة مرات خلال اقتحامهم مدينة طوباس في ذلك اليوم، وأصابوه إصابات بليغة في أطرافه الأربعة.

يروي والد أحمد تفاصيل إصابة نجله: "كان يوما صعبا للغاية، أصيب أحمد برصاص الاحتلال ووقع أرضا، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فاستمر الجندي بإطلاق الرصاص نحوه لإصابته مرة أخرى، ثم انضم إليه جندي آخر في التصويب على جسد الطفل الجريح".

نجا أحمد من الموت لكنه بقي يحمل في ذاكرته تفاصيل مرعبة عن ذلك اليوم، كما يحمل على جسده إصابات وتهتكات شديدة في عظامه وأطرافه الأربعة، حيث أصيب بخمس رصاصات وأربع شظايا.

بدأ أحمد منذ إصابته رحلة علاج ستكون طويلة، وفقا للأطباء، ونتيجة لذلك اضطر، وهو طالب في الصف العاشر الأساسي للتغيب عن دراسته، فهو يحتاج للكثير من الإجراءات الطبية والمزيد من العمليات الجراحية ليتمكن من ممارسة حياته بشكل طبيعي، فهو الآن لا يقوى على الحركة إلا بمساعدة ذويه وعلى كرسي متحرك.


تشييع جثمان الطفلة ليلى الخطيب (أرشيف وفا)

سياسة رسمية

حوادث متتابعة ومتصاعدة حول استهداف الأطفال وقتلهم في مختلف مناطق الضفة خلال الاقتحامات، توحي بأن هذا الأمر ليس مجرد حوادث فردية بل بات نهجا للاحتلال في استهداف الأطفال.

في هذا السياق، يؤكد مدير مؤسسة الحق شعوان جبارين أن تزايد استهداف الأطفال يشير إلى سياسة رسمية لدى الاحتلال، وليست حوادث فردية.

ويقول: "الاحتلال لا يقيم وزنًا للقانون الدولي، وهو يستهدف مستقبل الشعب الفلسطيني عبر استهداف أطفاله".

ويضيف في حديثه لـ"وفا" أن ما يحدث تطور خطير في سلوك قائم أساسا منذ سنوات، ففي سنوات سابقة كان الاحتلال يستهدف الأطفال وصغار السن بإصابات تترك إعاقات مستدامة ومنها التصويب على الركب، منوها إلى أن ذلك يعبّر عن سلوك إجرامي متأصل.

ويوضّح جبارين، أن المواثيق الدولية تحدد تراتبية لاستخدام القوة العسكرية في أوقات النزاع والحروب، لكن الاحتلال يخالف كل المواثيق الدولية ويلجأ لاستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين ودون أي حاجة لاستخدام القوة العسكرية أساسا.

وما يؤكد أن استهداف الأطفال بات سلوكا ممنهجا لدى الاحتلال، وفقا لجبارين، هو تكرار هذه الحوادث واتساع رقعتها، ويضاف إلى ذلك عدم وجود تحقيقات أو مساءلة، وهو ما يعني وجود سياسة رسمية، معتبرا أن عددا كبيرا من هذه الجرائم بمثابة جرائم مركّبة ومنها إيقاع الإصابة، ومنع تقديم الإسعاف، وصولا إلى احتجاز الجثامين.

ووفقا لتقرير أصدرته الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في 17 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بعد استشهاد الطفل جاد الله، فإن قوات الاحتلال قتلت ثلاثة أطفال في الأسبوع السابق لإعداد التقرير وهم: جاد الله جهاد جاد الله من مخيم الفارعة الذي استشهد بتاريخ 16 تشرين الثاني/نوفمبر، بالإضافة إلى الطفلين بلال بهاء بعران، ومحمد محمود أبو عياش من بيت أمر شمال الخليل اللذين استشهدا بتاريخ 13 تشرين الثاني/نوفمبر، حيث يحتجز الاحتلال جثامين الأطفال الثلاثة.

وأوضحت الحركة أنه منذ حزيران/يونيو 2016 يحتجز الاحتلال جثامين 59 طفلًا فلسطينيًا، أعاد منها 6 فقط، فيما لا يزال 53 جثمانًا محتجزًا اليوم، معتبرة ذلك عقابا جماعيا وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.


تشييع جثمان الطفلة ليلى الخطيب (أرشيف وفا)

تصاعد خطير

وفي بيان صادر عن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة بتاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر، عقب استشهاد الطفل محمد بهجت الحلاق (9 أعوام) أثناء لعبه كرة القدم في قرية الريحية بمحافظة الخليل، أكد المكتب أن عدد الفلسطينيين الذين قتلهم الاحتلال والمستعمرون في الضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بلغ 1001 فلسطينيا، مضيفا أن واحدا من كل خمس ضحايا هم أطفال.

وأشار البيان، إلى أن هذا الرقم يمثل زيادة بنسبة 43% من إجمالي عدد الفلسطينيين الذين قُتلوا في الضفة خلال العشرين عامًا الماضية.

وأكد، أن "هذا العدد الهائل من القتلى الفلسطينيين يعود إلى الاستخدام الممنهج للقوة القاتلة من قبل القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الغالبية العظمى من الحالات، بما يشمل إطلاق النار الحي والغارات الجوية والصواريخ المحمولة على الكتف، بطريقة غير قانونية وغير ضرورية وغير متناسبة، مع تجاهل واضح لحق الفلسطينيين في الحياة، بما في ذلك الأطفال".

وذكر البيان أن "أصغر الضحايا سنا في الضفة هي الطفلة ليلى الخطيب البالغة من العمر عامين، والتي قُتلت برصاص القوات الإسرائيلية في غرفة نومها في قرية مثلث الشهداء جنوب جنين في 25 كانون الثاني/يناير 2025 خلال العملية الإسرائيلية المعروفة باسم (الجدار الحديدي) والتي أدت إلى إفراغ ثلاثة مخيمات فلسطينية للاجئين من سكانها"، في إشارة إلى مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس.


وداع الطفل محمد الحلاق (أرشيف وفا)


تشييع جثمان الطفلة ليلى الخطيب (أرشيف وفا)

ــــ

ع.ف

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا