الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 16/02/2023 11:47 ص

طبيب وسط أهوال الزلزال

أطباء من وفد دولة فلسطين للتدخل العاجل في غرفة العمليات بإحدى مستشفيات سوريا
أطباء من وفد دولة فلسطين للتدخل العاجل في غرفة العمليات بإحدى مستشفيات سوريا

نابلس 16-2-2023 وفا- بسام أبو الرب

في ساعات فجر السادس من شباط الجاري، كان الطبيب الفلسطيني قتيبة زبن (25 عاما)، يحاول جاهدا إنقاذ عدد من الإصابات التي وصلت إلى قسم الطوارئ في مستشفى الديوان الخاص بمدينة ملاطيا التركية، بعد زلزال مدمر ضرب الأراضي التركية والسورية.

لم يستوعب الطبيب زبن المسؤول عن قسم الطوارئ وطاقم الممرضين المرافق له، هول الكارثة التي حلت بالمحيط، خاصة عقب مغادرة المبنى بمركبات إسعاف لمحاولة تقديم المساعدة للجرحى، ومشاهدة المباني المجاورة، وما تحتها من حالات يصعب التعامل معها، فعاد أدراجه لتقديم العلاج للجرحى، الذين توافدوا إلى المستشفى، من كل حدب وصوب.

الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، بلغت قوته 7.7 درجة على مقياس ريختر، تبعه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجة، ثم مئات الهزات الارتدادية العنيفة، وخلّفا خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات بالبلدين.

الكارثة التي عاشها الطبيب زبن خريج طب عام من جامعة كهرمانهاراش التركية، ابن بلدة قفين شمال طولكرم، لم تكن الأولى ففي العام 2013 وقعت كارثة فيضانات المياه خلال منخفض جوي عميق، طالت عددا من المنازل ودمرت أجزاءً منها في بلدته قفين.

ويقول زبن: "عشت لحظات صعبة في حياتي، لكن لحظة وقوع الزلزال كانت من أصعبها؛ لهول الكارثة والمناظر التي خلّفها الزلزال من حالات وفاة وإصابات وتدمير مبان بشكل كامل".

ويضيف في مقابلة خاصة بوكالة "وفا": "لحظة وقوع الزلزال كنت في المناوبة وحدي في المستشفى الذي أعمل فيه، وخرجنا مسرعين ولم نستوعب ما يحدث، كانت الهزة قوية، وشاهدنا الفندق المجاور لنا قد دُمر بشكل كامل، إضافة إلى حالات الهلع بين المرضى والجرحى".

ويتابع: "حاولنا الوصول إلى المباني المهدمة لتقديم الإسعافات اللازمة؛ إلا أن الوضع كان صعبا جدا، والغالبية تحت الركام، ما جعلنا نتخذ قرارا بالعودة إلى المستشفى لتقديم العلاج اللازم للجرحى والإصابات التي توافدت إلى قسم الطوارئ، رغم حالة الصدمة التي عاشها طاقم الممرضين المرافق لي".

ويقول زبن: "باشرنا بعمليات الإسعاف في البداية ضمن الإمكانيات قبل قطع الكهرباء وتسرب الأوكسجين، الأمر الذي اضطرنا إلى إخلاء المرضى، غير حالات الوفاة التي وصلت ولم نستطع إنعاشها، وحالات الجروح الخطيرة والإصابات بالرأس".

في بعض الأحيان كان الطبيب زبن يقسو على طاقمه؛ محاولا شد أزره للاستفاقة من حالة الهلع الذي أصابته جراء صعوبة الإصابات وهول الكارثة، ليؤكد أن إنذارا وصل بضرورة إخلاء المستشفى بأسرع وقت، كونه آيلا للسقوط؛ الأمر الذي اضطر الجميع إلى المغادرة، في ظل الأجواء الباردة جدا.

ويشير إلى أنه عقب إخلاء المستشفى، وصل إلى منزله للاطمئنان على زوجته واصطحابها وعائلة فلسطينية أخرى إلى المستشفى الجامعي في ملاطيا، لتقع هزة أخرى خلال تواجده والعائلة داخل مبنى المستشفى، ما اضطر الجميع إلى الإخلاء مرة أخرى.

ويقول زبن: "تعرضت لإصابة في القدم، ورغم ذلك واصلت تقديم الخدمات وعلاج المرضى برفقة طبيب فلسطيني آخر، وبعدها اضطررنا إلى مغادرة المدينة التي تحولت إلى مدينة أشباح، وسط عواصف ثلجية وأزمة مرورية خانقة في طريق استغرق 11 ساعة في المركبة، الذي يستغرق في العادة ثلاث ساعات".

ويصف أكثر المواقف صعوبة في آلية التعامل مع الإصابات في ظل شح الدواء، تصنيفها حسب خطورتها، وتقديم العلاج اللازم لها بأسرع وقت ممكن، في محاولة لإنقاذ الأرواح، موضحا أن ما جرى كأنه حالة من الحرب، على الطبيب أن يقرر من هو بحاجة إلى التدخل العاجل، وإعطائه الجرعات اللازمة لإنقاذ حياته، في ظل العدد الكبير من الإصابات الخطيرة، والتعامل معها بعيدا عن العواطف.

يضيف أن الأطباء وطلبة الطب الفلسطينيين أثبتوا جدارة وقدرة عالية في التعامل مع الكارثة، حتى أن إدارة المستشفى أرسلت برسالة شكر لي، حتى المرضى والجرحى الذين عالجتهم كانوا يتواصلون معي بشكل دائم، ما يدل على امتنانهم للدور الذي قمنا به في كافة المجالات كفلسطينيين، خاصة أننا شكلنا غرفة عمليات وتواصل دائم عبر اتحاد الأطباء والصيادلة الفلسطينيين في تركيا".

ينظر زبن إلى المآسي التي عاشها منذ طفولته في بلدته قفين وغيرها، التي خطرت بباله لحظة وقوع كارثة الزلزال؛ إلا أنها شكلت نقطة قوة وصلابة لديه.

يشار إلى أن فلسطين كانت من أوائل الدول التي أرسلت فرقا طبية وإغاثية للأراضي التركية، إضافة إلى إطلاق حملة "أغيثوهم" لصالح ضحايا زلزال تركيا وسوريا، عبر وزارة الأوقاف والشؤون الدينية.

وأكدت وزارة الخارجية والمغتربين، أن الفريق الفلسطيني في تركيا، والذي يضم 31 كادرا والمتمركز في منطقة ملاطية، سينهي مهمته يوم غد الجمعة، ويغادر باتجاه الوطن فجر يوم الأحد بعد ثمانية أيام من العمل إلى جانب الفرق المحلية والدولية، بإشراف من إدارة الكوارث والأزمات التركية (أفاد)، وقام بعمليات البحث والإنقاذ واستخراج الجثث من تحت الأنقاض، وأنشأ مراكز الإيواء، وقدّم العلاج والدعم النفسي للمتضررين، ووزع الطرود الغذائية على المحتاجين، واضطلع بمهامه الإغاثية والإنسانية في بيئة عمل صعبة، وفي ظروف جوية معقدة، مثمناً دور سفارة دولة فلسطين لدى الجمهورية التركية على جهودها، ومشيداً بمستوى التنسيق والتعاون مع الحكومة التركية، وكل الجهات العاملة على الأرض.

ــــ

ب.ر/ م.ب

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا