الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 16/01/2023 08:28 م

الاستيطان يبتلع الأغوار

الأغوار 16-1- 2023 وفا- إسراء غوراني

يرقب المواطن برهان بشارات من خلة مكحول بالأغوار الشمالية، بقلق، التغيرات المتسارعة من حوله، فعلى تلة مقابلة لخيمته، وضع مستوطن قبل أسبوعين حظيرة للماشية على مساحة دونم من الأرض، وفي الأيام اللاحقة بدأ بتوسيع ما استولى عليه.

يقول بشارات: "الأرض التي استولى عليها المستوطن مملوكة لمواطنين من طوباس يزرعونها سنويا بالمحاصيل البعلية، الآن حرم أصحابها منها، وحرمنا نحن من رعي مواشينا في كافة الأراضي الرعوية القريبة منها، ما يجري الآن يشير إلى نية المستوطنين إقامة بؤرة استيطانية جديدة في المنطقة".

ويضاف هذا الانتهاك إلى أعمال تسييج الأراضي التي ينفذها المستوطنون في مناطق عديدة من الأغوار منذ مطلع الشهر الجاري، حيث تشهد مناطق الأغوار الشمالية منذ مطلع العام الجاري أعمالا حثيثة من المستوطنين، للاستيلاء على مساحات جديدة من الأراضي، وضمها لحدود نفوذهم التي باتت تطوِّق المواطنين وتحرمهم مما تبقى من أراضيهم الزراعية والرعوية.

قبل سنوات كان بشارات يرعى مواشيه منذ ساعات الصباح الباكر، ويقضي ساعات طويلة في المراعي الممتدة على "طول البصر" قبل العودة لمسكنه، أما الآن فباتت المراعي محدودة جدا، والرعاة يخرجون بمواشيهم إلى أراضٍ قريبة، بالكاد يغيبون فيها ساعتين من الوقت، فغالبية الأراضي أغلقت أمام الأهالي تباعا على مدار السنوات الماضية، إما بسبب الاستيلاء عليها من سلطات الاحتلال تحت حجج ومسميات عديدة ليس آخرها ذريعة "مناطق تدريب عسكرية"، أو بسبب الاستيلاء عليها وتسييجها من قبل المستوطنين.

وفقا لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم): "تمنع إسرائيل الفلسطينيين من استخدام نحو 85% من مساحة الأغوار وشمال البحر الميت وتستغلّ هذه المساحة لاحتياجاتها هي".

وتستند إسرائيل في ممارساتها هذه إلى ذرائع وتصنيفات مختلفة، وفقا لـ "بتسيلم"، ومن هذه التصنيفات: "المساحات المغلقة"، و"مناطق إطلاق نار"، و"محميّات طبيعيّة" و"حدائق وطنيّة"، وخصّصت أراضي أخرى للمستوطنات التي أقيمت في الأغوار بعد الاحتلال بوقت قصير.

بشارات الذي يعاني مع أسرته منذ سنوات طويلة من اعتداءات المستوطنين وانتهاكاتهم - كغيره من سكان الأغوار- يقول: "ما نشهده هذه الفترة من انتهاكات واعتداءات يفوق ما كنا نتعرض له سابقا، اعتداءات المستوطنين ازدادت بشكل ملحوظ، فبالرغم من أن اعتداءاتهم لم تنقطع طيلة سنوات إلا أنها ازدادت مؤخرا، كما أنهم يسارعون للاستيلاء على أية قطعة أرض يقع عليها ناظرهم ويقومون بتسييجها".

ووفقا لمعطيات أدلى بها الناشط الحقوقي عارف دراغمة، فإن أعمال التسييج التي يجريها المستوطنون منذ بداية العام تمت حتى الآن على طول عشرة كيلو مترات إلى الغرب مما يسمى "شارع 90"، وتمر عبر عدة تجمعات في الأغوار الشمالية والوسطى.

ويضيف أن جزءا من الأراضي التي تم تسييجها مؤخرا كان الاحتلال يمنع الفلسطينيين من دخولها ويصنفها على أنها مناطق عسكرية مغلقة، والجزء الآخر منها أراضٍ مملوكة بـ"الطابو" للمواطنين، موضحا أن أعمال التسييج الأخيرة ستحرم السكان من أراضيهم في هذه المنطقة، وستقطع عليهم طريق الوصول إلى آلاف الدونمات الرعوية.

ويربط مراقبون ومحللون تسارع أعمال المستوطنين للاستيلاء على المزيد من الأراضي في الأغوار باستلام الحكومة الإسرائيلية الجديدة بزعامة نتنياهو مهامها، حيث وصفت هذه الحكومة بأنها الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، كونها تضم الأحزاب الدينية الأكثر تطرفا.

وفي هذا السياق، يشير المختص في الشأن الإسرائيلي محمد علان دراغمة، إلى أن التوسع الاستيطاني في منطقة الأغوار يعد نهجا وسياسة إسرائيلية ثابتة، ولكن تولي حكومة نتنياهو مؤخرا وصعود اليمين المتطرف إلى سدة الحكم أعطى المستوطنين دفعة قوية للأمام لتكثيف جهودهم في التوسع والاستيلاء على مزيد من الأراضي.

ما يؤكد ذلك، وفقا لدراغمة، وجود بنود مهمة تتعلق بالاستيطان في اتفاق الائتلاف الحكومي بين نتنياهو وأحزاب اليمين المتطرف، ومنها بند ينص على وجوب البدء بتأهيل البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية خلال 60 يوما تمهيدا لشرعنتها، بالإضافة للاتفاق على فرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية خلال فترة ولاية الحكومة.

ويضيف: "مثل هذه البنود تعطي المستوطنين الضوء الأخضر لتوسعة مستوطناتهم وفرض حقائق جديدة على الأرض في مناطق الأغوار وغيرها من مناطق الضفة الغربية".

وتحظى منطقة الأغوار بأهمية خاصة لدى سلطات الاحتلال منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، كما أنها من أكثر المناطق عرضة للمطامع والمخططات الاستيطانية.

وما يجعل الأغوار مطمعا للاحتلال والاستيطان، اعتبارها منطقة جغرافية واسعة ذات أراضٍ خصبة وموارد مائية وفيرة، وبالتالي أصبحت مركزا للاستيطان الزراعي في الضفة، كما يقول دراغمة.

ويؤكد أن المستوطنين في الأغوار وكافة مناطق الضفة لا يعملون بشكل فردي، ولا يقومون بأية خطوة عشوائيا، فكل ما يتعلق بالاستيطان تتم دراسته والتخطيط له بعناية، وهناك منظومة تتابع كل ذلك بالتكامل مع المؤسسة الرسمية للاحتلال، واللجنة الحكومية التي شكلت مؤخرا لتأهيل البؤر الاستيطانية في الضفة مؤشر على ذلك.

وبالنظر لسياسات وقرارات حكومة الاحتلال الإسرائيلي الجديدة، وما يمكن مشاهدته يوميا من نشاطات استيطانية على أرض الواقع، فإن الوضع في الأغوار يتجه لما هو أسوأ ولمرحلة ستشهد مزيدا من إحكام السيطرة الاستيطانية عليها.

ـــــــــ

ا.غ/ ف.ع

 

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا