بيت لحم 30-1-2022 وفا- وعد الكار
لم تفقد المواطنة الثلاثينية دينا نواصفة من بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم، الأمل بحصولها يوما ما على "لم الشمل" لتصبح كأي مواطنة فلسطينية "ذات حقوق" ويمكنها التنقل والسفر دون خوف أو هلع من تدابير وإجراءات الاحتلال التي تمنع فاقدي الهوية من التنقل داخل وطنهم أو العودة اليه.
وتحلم نواصفة، منذ 15 عاما بامتلاك هوية وجواز سفر يمكّنها من زيارة أهلها في الأردن، غير أن مخاوفها من الاحتلال يمنعها من ذلك، حالها حال الآلاف من فاقدي الهوية الذين يخشون فقدان حق الاقامة وحرمانهم من العودة في حال سفرهم بحجة عدم امتلاكهم الهوية.
"ليلة الإعلان عن أسماء المواطنين الذين تمت الموافقة على منحهم لم الشمل لم أنم، انتظرت حتى الساعة العاشرة والنصف صباحا بحثت ولم أجد اسمي بين الأسماء، في هذه اللحظات فقدت الأمل وتبددت أحلامي، وكانت المفاجأة حينما اتصلت بي جارتي وقالت لي أريد البشارة، طلع لك الهوية.. وأخيرا اسمي كان مدرجا بين الأسماء، سقطت أرضا من شدة الفرح وسجدت شكرا لله" تقول نواصفة.
وتضيف أن هذه الفرحة لا تضاهيها فرحة، هذه فرحة الحرية، فمنذ سنين لا تجرؤ على زيارة المدن الفلسطينية، وفي حال اضطرت للذهاب للعلاج تكون خائفة من أن يقوم الاحتلال بترحيلها بسبب عدم وجود الهوية.
وتتابع أنها اتصلت على أهلها لتبشرهم بالخبر، وتجمّع اولادها الستة حولها يزغردون ويبكون في آن واحد، مؤكدة أن أعوام الحرمان من احتضان الأهل قد انتهت.
وبينت أنه خلال الخمسة عشر عاما حرمت من الكثير من المناسبات، السارة والحزينة، والوقوف إلى جانب أهلها.. " لم أستطع أن أكون إلى جانب أمي خلال مرضها، ولم أستطع حضور زفاف أخي قبل أن يسافر إلى الكويت ويستقر هناك، فقد كان حلمي ان أحضّر مستلزمات الزفاف، وأن أحضر حفل الحناء مع قريباتي"، موضحة أنه في كل مناسبة سعيدة عند أهلها بالأردن كانت تنغرس في قلبها غصة البعد الإجباري بسبب تعنت الاحتلال.
وتؤكد نواصفة، أن أكثر ما كان يؤلمها أن أبناءها لا يعرفون أخوالهم وخالاتهم وجدهم وجدتهم، إلا من خلال المكالمات الهاتفية التي تملؤها الدموع والحسرات.
وتشير إلى أن من أصعب المواقف التي مرت بها، أنه في كل مرة يأتيها مولود جديد لا تجد أمها وأخوتها ليرعوها ويهتموا بصغارها، وأن الأعياد لم يكن لها طعم.. "حينما كنت أرى الناس يذهبون إلى بناتهم وأخواتهم وأقاربهم في العيد لا اتمالك نفسي وأبدأ بالبكاء، وكذلك الحال في رمضان كنت احلم بأن يدق اهلي بابي أو أزورهم برفقة أولادي".
وتضيف "لا يستطيع الاحتلال مهما تجبَر أن يغتال احلامنا وآمالنا، واخيرا سأكون مع أهلي في أفراحهم ومناسباتهم وأعيادهم.. صحيح أنها أحلام بسيطة لكنها كبيرة، هكذا هي الأحلام والأمنيات لمن يعيشون في فلسطين حيث يجثم الاحتلال على صدور البشر ويصادر أفراحهم وأعيادهم"، مؤكدة أنها تشعر منذ لحظة حصولها على لم الشمل بأنها وُلدت من جديد، وسيعيش صغارها تجربة رائعة بالتعرف على خالاتهم وأخوالهم في الأردن.
وفي مخيم عايدة شمال بيت لحم، لم يختلف الحال كثيرا بالنسبة للثمانينية زينب عفانة، التي حصلت على لم الشمل في الدفعة الأخيرة، فهي خرجت من البلاد في الستينات برفقة زوجها للبرازيل للعمل هناك، وحينما عادت في العام 2000 تفاجأت أن سلطات الاحتلال لا تعترف بها كمواطنة فلسطينية.
السيدة العجوز عفانة كانت تقدمت بطلب لم الشمل منذ أكثر من 21 عاما لتحصل عليه قبل يومين من الآن.
وقالت عفانة إنها جاءت إلى فلسطين تحمل جواز السفر البرازيلي والأردني، وانتهت إقامتها ورفضت العودة إلى البرازيل، وظلت على مدار سنوات طويلة تحاول الحصول على الهوية الفلسطينية.
"كنت خايفة لما يرجعوا أولادي على المالحة، قريتنا التي تهجرنا منها، ما أرجع معهم، ولكن بعد ما حصلت على الهوية شعرت بأن عودتنا قريبة للبلاد".
وتضيف عفانة والدموع تملأ عينيها أنه "عندما أُدرج اسمي في لم الشمل طلبت من ابنتي أن تتلف الجواز البرازيلي، فأنا لا أريد ألا أن أكون فلسطينية، أحمل الجواز الفلسطيني بكل فخر فهو يثبت أصولي وجذوري" وتبين أن ما زال هناك غصة في قلبها على أختها العشرينية سوزان التي عاشت وماتت وهي تنتظر تحقيق حلمها بلم الشمل لتعيش في وطنها مع زوجها، ولكنها ماتت وهي بعيدة عن فلسطين.
كفكفت عفانة دموعها وهي تقول هذه دموع الفرح يا ابنتي، كنت أخاف أن أموت بدون أن أتنقل في وطني فلسطين بحرية ودون خوف من الاحتلال.
وقالت انها تنوي زيارة كل المدن الفلسطينية لتشم هواء فلسطين الذي حُرمت منه لسنوات طويلة، وأنها ستقيم حفلا لكل الأقارب ابتهاجا بتحقيق حلمها الذي طال انتظاره.
-
/ ف.ع