سلفيت 11-8-2025 وفا- عُلا موقدي
رحلة قصيرة على الخريطة، لكنها في الواقع قد تستنزف ساعات من الوقت وتختبر صبر كل من يسلكها.. هناك، عند عبور مفترق قرية حارس باتجاه مدينة سلفيت، يجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة شبكة من نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية، التي تحوّل طريقًا لا يتجاوز بضع دقائق إلى مسار مليء بالعراقيل والإذلال اليومي.
خريطة من الحواجز
تنتشر على هذا الطريق حواجز الاحتلال بست نقاط تفتيش ثابتة ومتحركة في الاتجاهين، يقرر جنود الاحتلال عندها مصير مرور المركبات، بما يجعل احتمالية التوقف والاحتجاز تتجاوز 90%. وفي أي لحظة، يمكن لجندي أن يظهر فجأة، ويقطع الطريق، ويأمر السائق بالانحراف نحو جانب الطريق، ليبدأ تفتيشًا دقيقًا وقاسيًا للمركبة ومن فيها، يمتد من بضع دقائق إلى ساعات، حسب ما يمليه مزاجه.
مشاهد يومية من التفتيش والإذلال
يصف مواطنون المشهد بأنه أشبه بـ"المداهمة الميدانية". فالمقاعد تُقلب، والأمتعة تُبعثر، والأبواب تُفتح دون إذن، والركاب يُجبرون على النزول ورفع قمصانهم، بينما تُفتَّش حقائب النساء علنًا أمام المارة. وفي حالات أكثر قسوة، يتم تقييد الأيدي أو إجبار بعض الأشخاص على خلع ملابسهم، وسط أسلوب استفزازي يترك أثراً نفسياً عميقاً.
على نقطة تفتيش أخرى، يقف جندي بجانب سيارة متوقفة، يترك الركاب تحت شمس الصيف الحارقة لفترات طويلة، ثم يبتعد متحدثًا عبر جهاز الاتصال وكأن الوقت لا يعني شيئًا. بالنسبة إلى سائق شاحنة نقل المواد التموينية، تحولت مهمة عمله إلى مواجهة متكررة مع التفتيش العبثي: فتح الصندوق الخلفي، وقلب البضائع، وإتلاف بعضها، ورميها على الأرض، في تصرفات تحمل رسالة إذلال متعمدة.
عنصرية وتمييز على الطريق
المشهد يصبح أكثر استفزازًا حين تمر سيارات المستعمرين الإسرائيليين بسرعة ودون أي تفتيش، خاصة عند مدخل سلفيت الشمالي، حيث يتقاطع الطريق المؤدي إلى المدينة الفلسطينية مع الطريق الرئيسي المؤدي إلى مستعمرة "أرئيل". عند هذا المفترق، يقيم حراس المستتعمرة نقطة تفتيش إضافية –هي السابعة فعليًا– مخصصة للمركبات الفلسطينية فقط، يحتجزون عندها الركاب لساعات، بينما يمر المستعمرون بحرية مطلقة.
انعكاسات على الحياة اليومية
الانتظار الطويل عند هذه الحواجز لا يسرق وقت الناس فحسب، بل يهدد أعمالهم ومواعيدهم المهمة. أحمد، موظف من سلفيت، يصف رحلته اليومية إلى العمل بأنها "كابوس متكرر":
"أضطر إلى مغادرة المنزل قبل موعد عملي بساعتين، ومع ذلك أصل متأخرًا في كثير من الأيام. هنا، الوقت ليس ملكي، بل رهينة مزاج الجندي الذي يقرر متى أمرّ".
هذا التأخير المزمن يعني خسائر مادية وفرص عمل ضائعة، وإرباك جداول المدارس والجامعات، وحتى التأثير في وصول المرضى إلى المستشفيات في الوقت المناسب.
خلفية سياسية وعسكرية
الحواجز على طريق سلفيت ليست معزولة عن المشهد السياسي الأوسع. فمحافظة سلفيت تُعد من أكثر المناطق استهدافًا بالاستعمار في الضفة الغربية، وتحيط بها أكثر من 24 مستعمرة وبؤرة استعمارية. مستعمرة "أرئيل"، المقامة على أراضي المحافظة، تُعتبر من أكبر المستعمرات، وتشكل مركزًا رئيسيًا لخطط الضم الإسرائيلية.
زيارة رئيس مجلس النواب الأميركي، مايك جونسون، إلى "أرئيل" مؤخرًا، وتصريحاته المؤيدة لضم الضفة الغربية، تعكسان دعمًا سياسيًا مباشرًا لهذه السياسات، وتشجعان الاحتلال على المضي في تكريس واقع السيطرة الميدانية والتوسع الاستعماري.
شهادة رسمية
يؤكد محافظ سلفيت، مصطفى طقاطقة، أن "التوسع الاستعماري والضم يسيران جنبًا إلى جنب مع التضييق الميداني على المواطنين، من خلال نشر الحواجز واحتجاز الفلسطينيين لساعات، بهدف دفعهم إلى ترك أراضيهم وإفراغ المنطقة من سكانها الأصليين".
من منظور حقوقي، يُعتبر فرض هذه الحواجز وقيود الحركة عقوبة جماعية مخالفة لاتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر المساس بحرية التنقل للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة. ويشير خبراء القانون الدولي إلى أن هذه الممارسات تشكل جزءًا من منظومة السيطرة العسكرية التي تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الديمغرافي والجغرافي بما يخدم مصالح الاحتلال.
وهكذا، لم يعد الطريق إلى سلفيت مجرد مسافة تُقطع، بل معركة يومية مع الحواجز العسكرية التي تسرق من الفلسطينيين وقتهم وكرامتهم وحقهم الطبيعي في التنقل. وبينما يُسوّق الاحتلال هذه الإجراءات باعتبارها "إجراءات أمنية"، يعيش الفلسطينيون تفاصيلها كعقوبة جماعية، ومكوّن أساسي من سياسة أطول أمدًا لتفريغ الأرض وتكريس السيطرة.
ـــــــــــــــ
ع.م/ ف.ع