غزة 18-7-2025 وفا- حسين نظير السنوار
لم تكتفِ قوات الاحتلال الإسرائيلي بإجبار أهالي غزة المهجرين والمجوعين قسرا، على التوجه إلى مراكز وُصفت زورًا بأنها مخصصة لـ "توزيع مساعدات"، بل حولتها أيضا إلى ساحات إذلال وقهر، حيث يُرغم المواطنون على السير لساعات تحت الشمس الحارقة، قاطعين مسافات تمتد لعشرات الكيلو مترات، ويبيتون على الأرصفة وفي الشوارع إن لزم الأمر، لعلّهم يحظون بكيس طحين أو أرز بالكاد يكفيهم لتسد رمق أطفالهم.
وما إن يصل المواطنون إلى مراكز "المساعدات"، حتى تبدأ صواريخ ورصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي بملاحقتهم، فيستشهد من يستشهد، ويجرح من يجرح، ومنهم من يعود خاوي اليدين، فلكل واحد من هؤلاء قصة مع الجوع، والطريق الطويلة التي يسلكها مكرها، هكذا، تتحول لقمة العيش في غزة من حاجة إنسانية إلى معركة بقاء.
يقول المواطن سامي جبريل، وهو من سكان مدينة غزة: "جئت من قلب المدينة إلى أقصى جنوب القطاع، لأبحث عن طرد غذائي، أو حتى ما يشبهه، كيلو طحين، أو قليل من البقوليات، لعلّي أجد ما يسد رمق أطفالي وسط مجاعة خانقة تضرب غزة بلا رحمة، في ظل صمت عالمي مطبق، وعجز المجتمع الدولي عن إجبار الاحتلال على فتح المعابر وإدخال المساعدات إلى شعب يُحاصر ويُقصف منذ ما يقارب عشرين شهرًا متواصلة."
ويتابع "ذهبت مرارًا إلى مراكز التوزيع في الجنوب، من شارع الطينة جنوب شرق خان يونس، إلى مركزي العلم والشاكوش غرب رفح، ومع كل تلك المحاولات، لم أتمكن من الحصول على أي طحين أو مواد غذائية سوى مرة واحدة فقط، الأمر لا يكلّف جهدًا جسديًا فحسب، خاصة مع المسافات الطويلة، والحر الشديد، والزحام الخانق بل هو أيضًا عبء مادي كبير، فوسائل النقل قليلة وأجرتها مرتفعة، وكل محاولة للذهاب هناك أشبه برحلة شاقة محفوفة بالتعب والخيبة."
أما يقول المواطن يوسف الكفارنة، من بلدة بيت حانون شمال القطاع والنازح حاليًا في محافظة غزة فيقول:
"الذهاب إلى مراكز توزيع المساعدات، سواء في خان يونس أو رفح جنوبا، أو حتى إلى مفترق الشهداء شمال المحافظة الوسطى، هو أشبه برحلة محفوفة بالموت، من يقرر التوجه إلى هناك، يضع أمام عينيه أملا ضئيلا لا يتجاوز 10% بالعودة سالمًا، مقابل 90% احتمال أن يُصاب، أو يُستشهد، أو يختنق كما حدث مؤخرًا في مركز المساعدات بشارع الطينة جنوب شرق خان يونس."
ويتابع الكفارنة، وقد بدت عليه آثار التعب والإنهاك، والغبار والعرق يغطيان ملامحه: "في ظل هذه المجاعة القاسية التي أكلت الأخضر واليابس، أصبح الحصول على لقمة خبز بمثابة معجزة، لا طحين، ولا قمح، ولا حبوب، لا شيء هنا، ومن يظفر برغيف خبز يُعد من المحظوظين، بل من "أغنياء القوم"، بعدما وصلت تكلفة الرغيف الواحد إلى 10 شواقل، أي ما يعادل ثلاثة دولارات."
ويضيف: "تخيل أن عائلة من ستة أفراد، وهو الحد الأدنى لمعظم عائلات غزة، تحتاج إلى ما لا يقل عن 60 شيكل يوميا فقط للخبز، أي ما يزيد عن 18 دولارا، في وقت يعاني فيه الجميع من فقر شديد متواصل منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى اليوم، وهذا وحده كفيل بأن يُنهك أي أسرة، حتى قبل أن تفكر في الحصول على باقي ضروريات الحياة."
من جانبه، يؤكد المواطن سفيان سلامة،: "نضطر للمبيت في الطرقات، وأحيانًا إن حالفنا الحظ، نجد بقعة مغطاة بشادر قرب مراكز توزيع المساعدات، لنقترب خطوة من الأمل في اليوم التالي، ننام هناك، لا راحة ولا أمان، فقط كي نكون من أوائل الواصلين عند فتح المراكز، لعلنا نظفر بطرد غذائي، أو حتى بقليل من المواد التي تقي أطفالنا الجوع."
ويتابع سلامة بأسى: المشكلة أن الاحتلال لا يلتزم بمواعيد فتح تلك المراكز، يتلاعب بالوقت، ويجبرنا على الانتظار لساعات طويلة تحت الشمس، ولا يفتحها بشكل يومي كما يُروج، هناك من ينتظر يوما، وهناك من يعود خائبا بعد ليلة شاقة."
ورغم مشقّة الطريق والانتظار، إلا أن الأخطر كما يروي سلامة هو "الرصاص الذي ينتظرهم في المكان ذاته: "قوات الاحتلال تمارس أبشع صور القتل بحق الموجوعين، تطلق النار وتصيب في مقتل، نرى كل يوم شهداء وجرحى، والكارثة أن كثافة إطلاق النار وصعوبة الوصول إليهم نتيجة الزحام تمنع حتى إسعافهم، وكل من هناك لا يريد شيئا سوى ما يُطعم به أطفاله وجبة واحدة في اليوم، إن استطاع."
ويشير إلى واقع الجوع المدقع قائلًا: "أغلب العائلات في قطاع غزة لا تجد وجبة تُشبع أفرادها في اليوم الواحد، ويبيتون جياعًا، وبعضهم بات يأكل الحمص أو العدس دون طهي، فقط ليملأ بطونهم بشيء، ويشربون الماء بكثرة حتى تنتفخ تلك البقوليات داخل المعدة، وليشعروا بالشبع، لكنها الآن أيضا أصبحت نادرة، وسعر الكيلو وصل إلى 40 شيقلًا، أي نحو 13 دولارًا، وهو مبلغ خيالي في ظل الفقر."
رئيس جمعية النقل الخاص في قطاع غزة ناهض نمر شحيبر قال في بيان، إن الاحتلال الاسرائيلي يماطل في إدخال المساعدات للقطاع، وكل يوم تقف الشاحنات تنتظر التنسيق لدخولها الى المعابر، وينتهي الأمر بالقول إن التنسيق ملغي، وهذا كله هدفه تجويع ممنهج بحق المواطنين في قطاع غزة.
وأضاف شحيبر، إن كل ما ينشر في الإعلام حول إدخال الشاحنات عار عن الصحة، لافتًا إلى أنه توجد كميات من الطحين والمواد الغذائية على أرض المعابر، ولكن لم يتم التنسيق لدخولها حتى اليوم، محملا الاحتلال المسؤولية عن ذلك.
أما المستشار الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" عدنان أبو حسنة فقد أكد، أن لدى الاونروا 6,000 شاحنة مساعدات جاهزة، تنتظر السماح بدخولها إلى قطاع غزة، وهي تحتوي على مواد غذائية، وخيام، وأغطية، وأدوية.
وتابع في تصريح له: حتى اللحظة، لا يُسمح لنا بإدخالها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدًا أن سكان القطاع في أمس الحاجة لهذه المساعدات، مؤكدا جاهزية الوكالة الأممية لتوزيع المساعدات فور السماح بالدخول، وأن التأخير في إدخالها يفاقم المعاناة الإنسانية في غزة.
المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي شادي عثمان قال" ما جرى مع الاحتلال الإسرائيلي هو اتفاق حول إدخال كميات من المساعدات لعموم مناطق قطاع غزة، وحتى اللحظة لم يُنفذ ما تم الاتفاق عليه، مضيفًا نحن بدورنا نجري اتصالات ونبذل جهود كبيرة مع كل الأطراف ذات الصلة.
وكانت "الأونروا" حذرت من أن التجويع بين الأطفال دون سن الخامسة قد تضاعف بين آذار/ مارس وحزيران/يونيو الماضيين، نتيجة للحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.
وكانت المراكز الصحية والنقاط الطبية التابعة للوكالة أجرت في هذه الفترة ما يقرب من 74 ألف فحص للأطفال للكشف عن سوء التغذية، وحددت ما يقرب من 5,500 حالة تعاني تجويعا حادا، وأكثر من 800 حالة من سوء التغذية الحاد الوخيم.
وقد عالجت الأونروا بالفعل أكثر من 3,500 طفل في غزة هذا العام من سوء التغذية، علاوة على ذلك، قدمت الوكالة أكثر من 9 ملايين استشارة صحية منذ بداية العدوان، وهي تقدم حاليا حوالي 15 ألف استشارة يوميا، وأكدت أنه "لا يمكن لأي شريك صحي آخر في غزة تقديم الرعاية الصحية الأولية بهذا الحجم".
يذكر أن قطاع غزة يعاني من خطر المجاعة منذ بداية آذار/ مارس الماضي، وهي ثاني مجاعة طويلة يتعرض لها شعبنا الفلسطيني خلال حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد شعبنا في القطاع منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 حتى اليوم، واستشهد خلالها عشرات المواطنين على سلم الموت جوعا.
ــــ
ح.س