الخليل 16-7-2025 وفا- جويد التميمي
في تصعيد خطير ضمن مسلسل الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، ذكرت صحيفة "إسرائيل اليوم" الإسرائيلية، الثلاثاء، أن "الإدارة المدنية الإسرائيلية نقلت صلاحيات إدارة الحرم الابراهيمي والإشراف عليه من بلدية الخليل إلى المجلس الديني التابع لمستعمرة كريات أربع"، معتبرةً هذه الخطوة "بشرى كبيرة للاستيطان"، و"خطوة غير مسبوقة ستحدث تغييرا كبيرا في الوضع القائم" في الحرم، و"ستدفع نحو تنفيذ تعديلات هيكيلية في المكان"، من ضمنها إعادة تسقيف الحرم.
ويوجد الحرم الإبراهيمي في البلدة القديمة بالخليل التي يفرض الاحتلال الإسرائيلي سيطرته عليها، ويسكن فيها عنوة نحو 400 مستعمر يحرسهم نحو 1500 من جنود الاحتلال الإسرائيلي، وسط انتشار عشرات الحواجز العسكرية.
ومنذ عام 1994 قسّمت إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، الحرم الإبراهيمي بواقع 63% لليهود، و37% للمسلمين، عقب مجزرة ارتكبها مستعمر أسفرت عن استشهاد 29 مصليا.
ورغم أن ما كشفته الصحيفة الإسرائيلية حول نقل صلاحيات إدارة الحرم لم يطبق رسميا على أرض الواقع، إلا أنه يسلط الضوء على النوايا الاستعمارية التي تقودها حكومة الاحتلال الإسرائيلي اليمينية المتطرفة، والتي تعمل ليل نهار على تعزيز الوجود الاستعماري غير الشرعي في الأرض الفلسطينية المحتلة، عبر استهداف المقدسات الإسلامية والمسيحية، وبناء البؤر الاستعمارية وتوسيع المستعمرات القائمة على حساب الفلسطينيين وأرضهم ومواردهم.
رئيس بلدية الخليل، تيسير أبو سنينة، أكد أن "نقل صلاحيات إدارة الحرم الإبراهيمي هو اعتداء على حضارة المدينة وخرق صارخ للقانون الدولي".
وقال أبو سنينة إن "ما يتم تداوله عبر الصحافة الإسرائيلية حول سحب صلاحيات بلدية الخليل، اعتداء صارخ على حضارة المكان ورمزيته التاريخية والدينية، وخطوة تهدف إلى تهويد الحرم الإبراهيمي ومحيطه وفرض سيادة احتلالية غير شرعية على أحد أقدس المعالم الإسلامية".
وأوضح أبو سنينة أن الحرم الإبراهيمي، المسجّل على قائمة التراث العالمي الإنساني، هو ممتلك حضاري إنساني وملكية فلسطينية خالصة، مشيرا إلى أن المساس بوضعه التاريخي والديني يمثّل انتهاكا خطيرا للقانون الدولي ولكل الاتفاقيات والمواثيق ذات الصلة، بما في ذلك بروتوكول الخليل وتوصيات لجنة "شمغار" التي جاءت بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، والتي رغم كونها مجحفة أحادية الجانب، لا يزال الاحتلال يُبقي على بعض جوانب الالتزام بها.
وقال رئيس البلدية: هذا القرار يأتي في سياق اعتداءات متواصلة على الحرم الإبراهيمي، بدأت منذ عام 1967، بعد أيام من احتلال المدينة، حين تم تنظيم حفل زواج جماعي داخل الحرم كأول خطوة استفزازية تهدف لإرسال رسالة واضحة بأن لهذا الاحتلال أطماعا خاصة في مدينة الخليل، التي تحتضن مقام نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام، جدّ الأنبياء، ويُصرّ الاحتلال منذ ذلك الحين على اختلاق أي رابط يبرر وجوده، حتى لو عبر تحريف التاريخ.
وأضاف أبو سنينة: "لم نتسلّم بعد القرار بشكل رسمي لمعرفة تفاصيله، لكن من حيث المبدأ فإننا نرفضه جملة وتفصيلا، ونعتبره عدوانا سياسيا وثقافيا ودينيا على مدينة الخليل، واعتداء على صلاحيات البلدية الشرعية الممتدة على كامل حدود المدينة، بما فيها الحرم الإبراهيمي ومحيطه، رغم أن إدارة الحرم نفسها تتبع رسميا لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية".
وأكد أن بلدية الخليل تتعامل مع المدينة كوحدة واحدة موحّدة، وتقدّم خدماتها لكافة سكانها في كل الأحياء والمناطق دون تمييز، وبالتالي فإن أي محاولة للمساس بصلاحيات البلدية هو مساس مباشر بسيادة المدينة وحقوق سكانها.
وأشار أبو سنينة إلى أن بلدية الخليل، وانطلاقا من مسؤوليتها الوطنية، ستدعو جميع المؤسسات الرسمية والأهلية في المدينة لاجتماع طارئ بهدف وضع خطة عمل شاملة للتصدي لهذا القرار وأي قرار آخر يمسّ صلاحياتها أو حقوق أهل المدينة، مؤكدا أن الحرم الإبراهيمي سيبقى وقفا إسلاميا ورمزا فلسطينيا أصيلا مهما حاول الاحتلال تزوير الحقائق وفرض الأمر الواقع بقوة السلاح.
مدير الحرم الإبراهيمي معتز أبو سنينة أكد لـ"وفا" أن طواقم الأوقاف لا تزال تعمل كالمعتاد في الحرم، حيث لم يتم إخطارها بأي شيء رسمي بخصوص نقل صلاحيات إدارة الحرم، مشددا على أن الحرم مسجد إسلامي خالص، وهو ملكية وقفية للمسلمين وحدهم.
بدورها، حذرت وزارة الخارجية والمغتربين، من تداعيات فرض السيطرة الإسرائيلية على الحرم، معتبرة أن ما نقله الإعلام الإسرائيلي حول نقل صلاحيات إدارة الحرم إلى مجلس استعماري، خطوة غير مسبوقة تهدف لفرض السيطرة على الحرم وتهويده وتغيير هويته ومعالمه بالكامل، إضافة إلى أنها انتهاك صارخ للقانون الدولي والقرارات الأممية ذات الصلة.
وطالبت "الخارجية"، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" والمجتمع الدولي التدخل العاجل لوقف تنفيذ هذا القرار فورا، محذرة من تداعياته على المقدسات برمتها.
كما أكد رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح، أن نقل صلاحيات الإشراف على الحرم الإبراهيمي يعد عدوانا سافرا على الحق التاريخي والديني والقانوني للشعب الفلسطيني، وجريمة مكتملة الأركان في سياق تهويد المقدسات الإسلامية.
وشدد على أن هذه الخطوة تمثل خرقا فاضحا للقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات لاهاي وجنيف، وقرارات اليونسكو التي تؤكد الوضع التاريخي والقانوني القائم في الحرم الشريف كوقف إسلامي خالص.
وأشار إلى أن ما يجري هو جزء من مخطط ممنهج تسعى من خلاله حكومة الاحتلال التي تدار من قبل تحالفات فاشية وعنصرية متطرفة إلى فرض سيادة يهودية قسرية على أماكن العبادة الإسلامية في سياق سياسة تطهير عرقي شاملة تمتد من غزة إلى جنين والخليل، مرورا بكل شبر من أرضنا المحتلة.
وحذّر فتوح من أن هذه الانتهاكات إنما تمهد لحرب دينية مفتوحة تتحمل حكومة الاحتلال كامل المسؤولية عنها، داعيا المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل ووقف حالة الصمت والتواطؤ التي تغذي هذه السياسات العنصرية الإجرامية والتي تنذر بتفجير الأوضاع في عموم المنطقة.
يذكر أن الحرم الإبراهيمي يتعرض لانتهاكات متواصلة من الاحتلال ومستعمريه، ففي 25 شباط/ فبراير 1994، نفذ المستعمر الإرهابي باروخ غولدشتاين، مجزرة داخل الحرم بإطلاقه الرصاص بشكل مباشر صوب المصلين وهم سجود في صلاة الفجر خلال شهر رمضان المبارك، ما أسفر عن استشهاد 29 مصليا.
وعقب المجزرة كوفئ المجرم وعوقبت الضحية، حيث أغلقت قوات الاحتلال الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة لمدة ستة أشهر كاملة بدعوى التحقيق في الجريمة، وشكّلت ومن طرف واحد لجنة "شمغار"، للتحقيق في المجزرة وأسبابها، وخرجت اللجنة في حينه بعدة توصيات، منها تقسيم الحرم الإبراهيمي إلى قسمين، وفرضت واقعا احتلاليا صعبا على حياة المواطنين في البلدة القديمة، ووضعت الحراسات المشددة على الحرم، وأعطت اليهود الحق في السيادة على الجزء الأكبر منه- حوالي 60 %- بهدف تهويده والاستيلاء عليه، وتكرر منع الاحتلال رفع الآذان فيه مرات عديدة.
ويضم القسم المغتصب من الحرم: مقامات وقبور أنبياء، منها قبر النبي إبراهيم وزوجته سارة وقبر حفيده يعقوب وزوجته ليئة وقبر النبي يوسف بن يعقوب، إضافة إلى صحن الحرم وهي المنطقة الجميلة المكشوفة فيه.
وفي عام 2021، شرعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ مشروع تهويدي على مساحة 300 متر مربع من ساحات الحرم ومرافقه، يشمل تركيب مصعد كهربائي، لتسهيل اقتحامات المستعمرين. كما حاولت مطلع العام الجاري 2025، سقف صحن الحرم الإبراهيمي، للإضرار بالمكانة التاريخية والتراثية له، والتعدي على الصلاحيات التي تمتلكها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بشكل حصري، عدا عن إغلاق الحرم أمام المصلين المسلمين ومنع رفع الأذان عدة مرات.
_
ع.ف