طرابلس 29-4-2023 وفا- يوم السبت من كل أسبوع، يجتمع خليفة رمضان رفقة زملائه الخبراء والمهندسين المتخصصين في الزراعة والبستنة، في مزرعته الخاصة، حيث يتم إنتاج أشتال لأشجار مقاوِمة للجفاف، وهي خطوة يأملون منها حماية العاصمة الليبية طرابلس ومحيطها، من آثار القطع الجائر للغابات والزحف العمراني والجفاف، الذي قضى على الحزام الأخضر المحاذي للساحل.
وقبل سنوات، أطلق هذا الخبير الزراعي المتمرس، الذي أمضى 40 عاما في الزراعة، "جمعية أصدقاء الشجرة" التطوعية، التي تهدف إلى حماية الغطاء النباتي وتعميم ثقافة غرس الأشجار، لمواجهة أخطار تتوسع عاماً تلو الأخر، إذ تواجه ليبيا وطرابلس تحديداً، مظاهر تصحر وجفاف واعتداء على الغطاء النباتي بشكل غير مسبوق.
قطع غابات وزحف عمراني
خلال خمسينيات القرن العشرين، شهدت ليبيا طفرة كبيرة ازدهرت في الستينيات، على مستوى توسع الغابات والأحزمة الخضراء، وخصوصاً محيط طرابلس، ويعدّ الحزام الأخضر البالغ طوله 200 كيلومتر والمحاذي للساحل الغربي الممتد من العاصمة إلى مدينة مصراتة شرقًا، من أبرز المساحات التي ساهمت في وقف زحف رمال الصحراء نحو طرابلس.
ولكن منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي في العام 2011 وما رافقه من فوضى وانفلات أمني، تآكل هذا الحزام الحيوي وجرف معظمه بسبب قطع الأشجار والزحف العمراني الذي حلّ مكانه.
ويشرح الناطق باسم جهاز الشرطة الزراعية العميد فوزي أبو غالية حجم الدمار الذي طال أهم غطاء نباتي غرب ليبيا، مذكّراً بأن "الشريط الأخضر الضخم تعرّض للاعتداءات في السنوات الأخيرة، وبلغ عدد القضايا المتعلقة بجرائم اعتداء على هذه المنطقة 1700 قضية جنائية".
وتنتشر أكوام من الأشجار المقطوعة في منطقة القره بولي الواقعة على بعد 50 كيلومتراً إلى الشرق من طرابلس، إلى جانب بقايا منازل صيفية مشيدة داخل الغابات المطلّة على البحر، هدمت في الآونة الأخيرة بموجب قرارات النيابة العامة.
يروي أبو غالية تفاصيل هذه الاعتداءات، ويقول: "تحركنا بمساندة الأجهزة الأمنية لإيقاف هذه الجريمة شبه المنظمة، لاستعادة الأراضي المغتصبة، وفعلا نجحنا خلال العامين المنصرمين في استرجاع أكثر من ثمانية آلاف هكتار وإعادتها لصالح وزارة الزراعة".
ويرى أن تآكل الغطاء النباتي في منطقة الساحل يعود إلى جملة أسباب، أهمها قطع الأشجار لتحويلها إلى فحم طبيعيا، إلى جانب تجريفها لإقامة منازل واستراحات ترفيهية بشكل "غير قانوني".
ويلاحظ أبو غالية أن الحملة على المخالفين نجحت إلى "حد كبير"، لكنّ "الحرب لم تنتهِ". إلاّ أنه يأسف لكون "ضعاف النفوس لن يتوقفوا"، مضيفاً "نحن لهم بالمرصاد لمراقبة الحزام الأخضر(...)، صحيح أن إمكانيتنا متواضعة مقارنة بحجم التحديات، لكننا مصممون".
ويشدد رئيس الجمعية على أهمية التوعية إلى جانب حماية الغطاء النباتي بقوة القانون، موضحاً أن الهدف منها "غرس ثقافة الاهتمام بالغابات وتخفيف آثار قسوة المناخ الصحرواي".
ويذكّر بأن "الشجرة غرست لأغراض،أهمها تثبيت الرمال وتحسين جودة الهواء وجلب السحب الماطرة (...)، وبالتالي فإن إزالة أو قطع شجرة يعني أن المناخ سيزداد قسوة، وأن الجفاف في تصاعد، وهو ما يفسره تراجع كميات الأمطار بشكل ملحوظ السنوات الماضية".
تمتاز ليبيا بتنوع الغطاء النباتي والزراعي فيها، حيث تعد أشجار الزيتون الأكبر انتشاراً بنحو ثمانية ملايين شجرة في مناطق الغرب والساحل، فيما يتخطى عدد أشجار النخيل ستة ملايين يتركز معظمها في وسط البلاد وجنوبها، بحسب إحصاءات رسمية.
لكنها شهدت تراجعاً ملحوظاً في السنوات القليلة الماضية، بتسبب قطع الغابات وارتفاع درجات الحرارة.
وبحسب تقارير رسمية، تراجع معدل هطول الأمطار من أكثر من 500 ملم سنويا إلى أقل من 300 ملم.
وتسبب تراجع مساحة الغطاء النباتي عبر قطع الغابات بارتفاع درجات الحرارة، وارتفاع معدلات الغبار وزحف الرمال في طرابلس، ما يحتم ضرورة زرع أكثر من مليون شجرة لتحسين الحياة البيئية في العاصمة، بحسب الهيئة العامة للبيئة.