الأغوار 29-12-2022 وفا- الحارث الحصني
قبل شهرين حزم شامخ دراغمة أمتعته، وعاد مع عائلته إلى الفارسية في الأغوار الشمالية، بعدما أمضى صيفه في طوباس، كما جرت العادة في كل عام، تاركا خلفه سجلا من انتهاكات نفذها الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون بحقه.
وعائلة دراغمة إحدى العائلات التي عادت إلى الفارسية، وهي تعلم أن مصيرا محفوفا بالمخاطر بانتظارها، فالعائلة التي تسكن في خيام مغطاة بــ "شوادر" مخصصة، تعرض معيلها خلال السنوات الماضية لاعتداءات من الاحتلال والمستوطنين.
والفارسية إحدى مناطق الشريط الشرقي للضفة الغربية، وهي منطقة تنوعت فيها التضاريس للرعي والزراعة البعلية والمروية، وتسجل في أغلب الأيام أخبارا تفيد بانتهاكات المستوطنين ضد المواطنين.
وتبلغ مساحة الأغوار الشمالية حوالي 240 ألف دونم، وتشكل حوالي 60% من مساحة محافظة طوباس البالغة 402 كم2، وتضم الأغوار 12 تجمعا سكانيا ثابتا، إضافة إلى 20 تجمعا لمضارب البدو، يعتمدون على تربية الماشية، والزراعة البعلية، والحقلية.
قبل يومين كان شامخ وهو من عائلة اهتمت منذ زمن بتربية المواشي، يرعى أغنامه على مقربة من خيامه المقامة على سفح جبل، ويمر أمامها واد صغير تنساب فيه مياه الشتاء، وعلى حين غرة حضر إليه أحد المستوطنين، وبدأ بالصراخ ورمي الحجارة على أغنامه.
وقصة دراغمة، هي واحدة من عديد القصص المأساوية التي تحدث في واحدة من أكثر مناطق المحافظة سخونة.
يقول: "عندي كبش ضربه المستوطن بحجر كبير والآن يصارع الموت، كما أجهضت إحدى النعاج خروفا".
وهذه بالنسبة لدراغمة الذي كل اعتماده على تربية الماشية، خسارة كبيرة، فالعائلات الفلسطينية التي تعتمد على تربية الماشية، تتخذ بيع الخراف، ومشتقات الماعز دخلا ثابتا في حياتها.
وفي واحدة من مناطق ظلت أماكن رعي وفيرة للفلسطينيين، يمكن التماس انعدام الأمن لهم في السنوات الأخيرة.
فعلى مدار سنوات سجلت مئات حالات اعتداء المستوطنين على رعاة ماشية فلسطينيين، وتنوعت بين منعهم من رعي مواشيهم، واعتداء على الماشية، وأحيانا على الرعاة.
وتبين الأرقام التي قالها الناشط الحقوقي عارف دراغمة لمراسل "وفا"، إن المستوطنين نفذوا خلال السنتين الماضيتين أكثر من 230 اعتداء، بحق رعاة فلسطينيين.
ويمكن سماع قصص طويلة على ألسنة السكان في المنطقة، عن اعتداءات المستوطنين بحقهم.
جالسا تحت شجرة حرجية جانب خيامه، قال أحد السكان: "أصبحت الحياة هنا جحيما".
مواطنون من المكان تعرضوا لاعتداءات سابقة قالوا "إن المنطقة باتت لا تحمل شيئا من الماضي"، وكانوا يقصدون الهدوء والأمان.
يقول دراغمة: "جاءني، المستوطن، هذه المرة راجلا لوحده، وهذه واحدة من المرات التي يأتي بها المستوطن راجلا لوحده، فعلى مدار سنوات كان يأتي ممتطيا حصانه يرافقه مستوطنون مسلحون، لتبدأ فصول الاعتداء".
مواطنون من المنطقة قالوا إنهم سمعوا قبل وقوع الحدث بقليل، صوت طائرة مسيرة يمكن التحكم بها عن بعد، يستخدمها عادة المستوطنين لكشف المنطقة.
يقول دراغمة: "يستخدمون كافة الوسائل لملاحقتنا والاعتداء على مواشينا، كيف كان سيعلم أنني هنا لو لم يستخدم تلك الطائرة".
فحينما وصل "سهيل" وهو المستوطن الذي لم يبرح الفارسية منذ سنوات، إلى قطيع الماشية لدراغمة، بدأ بالصراخ: " أنت ترعى في أرضي ومراعيّ، ثم بدأ برمي الحجارة الثقيلة على الماشية".
وهذه مأساة حقيقية لمواطنين فرادى وعزل، يتواجهون بشكل شبه يومي مع مستوطنين ضمن مجموعات يأتون أحيانا على ظهور الخيول، وأحيانا بمركبات جبلية صغيرة الحجم، وهي التي يعرفها العامة باسم "تركترون".
"كان مسلحا، يضع مسدسه جانبه ويظهره لنا ليخيفنا". يقول دراغمة.
اليوم بات في الأغوار الشمالية ست بؤر استيطانية، منها 4 مأهولات بالسكان بشكل دائم، إضافة لاثنتين يتردد المستوطنون عليهما بشكل مستمر.
ــــــ
ح.ح/ر.ح