غزة 4-7-2025 وفا- بأجساد نحيلة كأنها هياكل عظمية، يرقد الأطفال محمد ورزان وأمل بمستشفيين بقطاع غزة، بعدما أنهكتهم أمراض ناجمة عن الجوع وسوء التغذية الحاد، جراء حرب إبادة جماعية يشنها الاحتلال الإسرائيلي منذ 21 شهراً على الفلسطينيين.
وعلى أسرّة العلاج تختفي مظاهر الطفولة عن وجوه الثلاثة؛ إذ لا تظهر عليهم أي استجابة للعب أو التفاعل، ويقضون معظم أوقاتهم في حالة خمول تام، نتيجة الهزال الشديد وسوء التغذية.
مع هذا المشهد الناجم عن حرب الإبادة الإسرائيلية، يرتفع أنين الأطفال المرضى الذين أنهكهم الجوع، فيما يبذل الأطباء جهودا مضنية لتقديم الحد الأدنى من الرعاية، وسط نقص حاد في الإمكانات.
وبينما تتصاعد التحذيرات من داخل قطاع غزة من انهيار النظام الصحي، تتفشى المجاعة بصمت بين آلاف الأطفال الذين يكافحون للبقاء على قيد الحياة بوجه التجويع الممنهج الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي.
ورغم تدهور الأوضاع الصحية وتصاعد تحذيرات المجاعة، تواصل إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، منع إدخال الغذاء والماء إلى غزة، متجاهلة بذلك الدعوات الدولية المتكررة لفتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية.
والجمعة، أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أن نحو 112 طفلا فلسطينيا يدخلون المستشفيات بقطاع غزة يوميا لتلقي العلاج من سوء التغذية منذ بداية العام الجاري، جراء الحصار الإسرائيلي الخانق.
وأعلنت مصادر طبية، ارتفاع عدد الأطفال الذين قضوا جراء سوء التغذية الحاد إلى 66 منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، نتيجة تشديد الاحتلال الإسرائيلي حصاره على القطاع ضمن استخدام "التجويع سلاحا لإبادة المدنيين".
وفي مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط القطاع، تقف أم عاجزة أمام رضيعها محمد اللوح، البالغ من العمر 3 أشهر، غير قادرة على توفير الحليب الذي يحتاجه بشدة.
ومنذ لحظاته الأولى في الحياة، لم يعرف الطفل سوى الجوع والحصار، ولد في قلب المجاعة، ولم ير يوماً جميلاً كغيره من أطفال العالم.
وخلال الأشهر الثلاثة منذ ولادته، تنقل الطفل مع عائلته بين النزوح والحرمان، دون أن ينعم بيوم آمن حيث سرقت طفولته مبكرًا وسط حرب لا ترحم ولا تترك له حق البكاء كما يفعل أطفال العالم في سنواتهم الأولى.
تقول للأناضول: "طفلي يعاني من سوء تغذية والتهابات صدرية نتيجة نقص الحليب، والمستشفيات لا تملكه، والمعابر مغلقة بسبب الحصار".
ولا يختلف الحال كثيرا لدى والدة الطفلة رزان أبو زاهر، التي تجلس بجانب صغيرتها المريضة متمنية أن تستعيد عافيتها.
تقول الأم، رزان تعاني من حرارة مستمرة وضعف عام، وكل يوم يمر حالتها تزداد سوءًا بسبب نقص الطعام والماء.
وتضيف أن طفلتها حرمت من الحليب المغذي وحبوب القمح الجاهزة "السيريلاك"، ما فاقم تدهور حالتها الصحية.
أما الطفلة أمل، فترقد في قسم الأطفال بـمجمع ناصر الطبي في خان يونس جنوب القطاع، بجسد هزيل تبرز منه عظام صدرها بوضوح، جراء معاناتها من حساسية القمح، في وقت لا يتوفر فيه بديل غذائي مناسب وسط تفاقم المجاعة.
يقول والدها: "أصيبت بسوء تغذية بعد النزوح، وشخص الطبيب حالتها بحساسية قمح، ونصحنا بتوفير لحوم وفواكه، لكن كل شيء مفقود".
ويشير إلى أن وزنها انخفض من 20 كغم إلى 12 كغم بسبب الجوع.
وقال مصدر طبي في قسم الأطفال بمستشفى شهداء الأقصى: "نشهد ازدحاما شديدا في القسم حيث نستقبل ما بين 50 إلى 60 حالة يوميا، معظمها التهابات صدرية ومعوية وحمى شوكية، ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بسوء التغذية".
وأضاف: "لا تتوفر لدينا أي أنواع من الحليب الصناعي، وسوء التغذية يضعف مناعة الأطفال، ويجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض".
ويغلق الاحتلال منذ 2 آذار/ مارس الماضي بشكل محكم معابر غزة أمام شاحنات إمدادات ومساعدات مكدسة على الحدود، ولا تسمح إلا بدخول عشرات الشاحنات فقط، بينما يحتاج الفلسطينيون في غزة إلى 500 شاحنة يوميا كحد أدنى.
وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، بدأت في 27 أيار/ مايو آلية أميركية-إسرائيلية لتوزيع مساعدات محدودة بواسطة "مؤسسة غزة الإنسانية"، والتي تحولت نقاط توزيعها إلى "مصائد موت"، حيث استشهد أكثر من 600 مواطن وأصيب 4278 آخرون على الأقل، بغارات ونيران الاحتلال أثناء انتظارهم لتلقي المساعدات، وفق المصادر الطبية.
ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ترتكب إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، إبادة جماعية في قطاع غزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت هذه الحرب أكثر من 192 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.
ـــــ
ع.ف