أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 14/05/2025 11:56 ص

في ذكرى النكبة... الغزيون يعيشون نكبات مركبة

 

غزة 14-5-2025 وفا- حسين نظير السنوار

يتعرض المواطنون في قطاع غزة لأقسى أنواع الظلم والعذاب الواقعة عليهم من الاحتلال الإسرائيلي، ولكن المختلف هذه المرة أن تتزامن المعاناة والحرب مع ذكرى النكبة الـ77 حيث النزوح والتهجير والملاحقة ليل نهار بالقصف والقتل وحرب الإبادة.

فقد استُشهد الأطفال والنساء والرجال والصبيان وكذلك الأجنة في بطون أمهاتهم، في مشهد لم يشهده العالم الحديث ولكن عاشه أهل غزة وشاهده العالم عيانا، فلم يحرك ساكنا لتبقى النكبة مستمرة منذ 77 عاما ولم تنته بعد، ولكن لسان حال المواطنين يقول: "أوقفوا المقتلة والتشرد والنزوح والحرب التي تلاحقنا في كل لحظة وكل مكان لكي نعيش في أمن وسلام".

وتقول الحاجة عفاف الأستاذ التي عايشت النكبتين السابقة والحالية: "رغم أنني عشت وأنا طفلة أهوال النكبة سنة 48 وكنت واعية تماما لما يدور حولي من قتل وتشريد للناس من بيوتهم وتهجيرهم قسرا من بلداتهم وقراهم ومدنهم، فإن ذلك لا يقارن بما يحدث منذ بدء العدوان على قطاع غزة".

وتردف الأستاذ التي هُجرت من مدينة المجدل واستقر بها الحال في مدينة غزة: "لقد عشت النكبة وبعدها حرب اعام 1956 ونكسة 1967، بالإضافة إلى الانتفاضة الأولى 1987 وبعدها عدة حروب شُنت على غزة في 2008 و2012 و2014 و2021، فلم تكن هذه الحروب وجولات التصعيد والعنف ضد شعبنا مجتمعة مع بعضها تساوي يوما مما عشناه ونعيشه هذه الأيام، فلم نعد نأمن على أنفسنا فالقتل والتشريد يلاحقاننا حتى أصبحنا نعيش حياة البداوة القديمة من ترحال وعدم استقرار، ولكن تحت أزيز الطائرات والقصف والنار".

وتضيف وتجاعيد وجهها تحكي ألف قصة وحكاية: "في الـ48 طلبت العصابات الصهيونية من الناس المغادرة فغادروا هربا من الموت على أمل عودة قريبة، حيث ترك الجميع كل ما يملك ولكن طالت النكبة وطالت معها أيام العودة وسنواتها، وهذا متشابه من حيث التهجير هذه الأيام، ولكن المختلف ملاحقة المواطنين في خيامهم ومراكز الإيواء وقتلهم، فلم يعد لهم مكان آمن".

وتقول الأستاذ: "والدي الحاج حسن إبراهيم الأستاذ "أبو فؤاد" كان قبل النكبة رئيسًا لبلدية المجدل ومن أعيان البلد، وكنا نعيش حياة العز، وبعدها هجرتنا إلى غزة عمل كذلك في رئاسة بلدية غزة. والحرب والهجرة طالتا الجميع ولم تفرقان بين أي شخص وآخر، والجميع عاش حياة التشرد والخيام والقهر والموت التي يحيط بهم من كل جانب".

وتضيف: "لكن هذه الحرب أجبرتنا على النزوح مرات ومرات، فتارة نزحنا إلى مبنى الصناعة التابع "للأونروا" في خان يونس وتركنا بيوتنا في غزة، وعندما حاولنا حماية أنفسنا في ذلك المبنى حاصرتنا الدبابات، فخرجنا مرغمين تحت القصف لنتوجه إلى رفح في يوم ماطر شديد البرودة، وبتنا ليلتها في العراء حتى تمكنا من نصب خيمة للعيش، وبعد فترة أصدرت قوات الاحتلال أمرًا بإخلاء رفح لنعود من جديد نحزم أمتعتنا وننتقل إلى منطقة العطار بين خان يونس ورفح، ولم يتركنا الاحتلال لنستقر حتى لحقنا من مكان إلى أخر، وكان الموت ينصبّ على النازحين في خيامهم على مرأى ومسمع من العالم".

وتقول الأستاذ: "وبعد معاناة وتشرد امتدا لعام وأكثر من أربعة أشهر، عدنا بصعوبة بالغة إلى غزة لنجد بيوتنا قد هُدمت، لتزداد معاناتنا ويُكتب لنا الشقاء وعيش ما تبقى من عمرنا في الخيام وليتها تكون آمنة، فلم يعد في غزة مكان آمن فالقصف الإسرائيلي لم يميز بين خيمة وبيت ومركز إيواء، فالكل تحت دائرة الخطر وفي مرمى النار والموت".

وتضيف: "لقد اكتوينا بنار الحرب وحياة الخوف والمجازر، ولم يشعر بنا أحد فنحن قد سمعنا عن المحرقة التي تعرض لها اليهود في الحرب العالمية وسمعنا صداها في كل المحافل لأنها تخص اليهود، ولكن في غزة كل يوم نعيش في محرقة بل في ألف محرقة والعالم يشاهد ولا يتحرك".

وتردف الأستاذ: "عمليات تهجير الناس من بيوتهم عام 1948 استمرت عدة أشهر حيث كانت الطائرات الإسرائيلية تلاحق الناس بالحمم النارية خلال تنقلهم من بلدة إلى بلدة حتى شتتهم داخل فلسطين وخارجها، أما في هذا الوقت فترحيل السكان لا يستغرق عدة ساعات بفعل كثافة القصف العشوائي والأحزمة النارية التي دمرت آلاف المنازل ولا تعطيهم وقتًا كافيا لتجهيز أمتعتهم الضرورية واصطحابها معهم".

وتقول: "استقر الناس في خيامهم حين استقرت بهم الأمور وأخذوا يمارسون حياتهم الجديدة الطبيعية التي كُتبت عليهم للتو، ولكن الآن لا تشبه هذه الأيام تلك الأيام لأن الاحتلال لم يرحم الناس ولاحقهم في خيامهم وقتلهم فيها ولم يتركهم يستقرون، وأجبرهم على النزوح عشرات المرات ولا يزال".

بينما يقول السبعيني محمود صافي: "لقد وُلدت في الشهر ذاته الذي حصلت فيه النكبة، وحدثوني أننا هُجرنا من أرضنا ومدينتنا المجدل عنوة في ظروف قاسية جدا عاشت خلالها والدتي العذاب الشديد، لأنها كانت ترضعني وهي متعبة إلى أن استقر بنا المطاف في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة حتى يومنا هذا".

وأضاف: "كل ما سمعته ممن عاصروا النكبة وعاشوا كل تفاصيلها لا يساوي شيئًا مما عشناه خلال عام وسبعة أشهر من حرب الإبادة الجماعية في غزة، ورغم قساوة النكبة وما تبعته من تشرد وعدم استقرار لسنوات، فإنها كانت أرحم على البشر من هذه الأيام خاصة، فإن الأمم المتحدة كانت توفر في حينه الغذاء والتموين ولم تكن هناك معابر تغلق وتعذب الناس ويُقتلون بالجوع كهذه الأيام التي نحارب بها بالجوع بالتوازي مع القتل بالنار".

وتابع: "هنا في غزة أيام لا تشبهها أيام حتى التي عشناها وسمعنا عنها أيام النكبة والنكسة والحروب الأخرى، إذ مُسحت مئات العائلات من السجل المدني ولم يبق من تلك العائلات أي أحد، ويموت الناس جوعا وعطشا وحفافا".

وأردف: "لقد عشنا سنوات في الغربة بعد نكسة 67 وعدنا إلى أرض الوطن لكي نبني ونعمر، ولكن نكبتنا الحالية لا تشبهها نكبة، فقد فاقت نكبة عام 48 بفظاعتها ودمارها، ولم يتصور عاقل حجم النكبة المستمرة ولا يعرف متى ستنتهي".

ويقول: "في نكبة عام 48، سكن المهجرون الخيام ولكن لم تكن محطة دائمة لهم، فقد مولت الأمم المتحدة و"الأونروا" المخيمات الفلسطينية الجديدة، في حين بنت لهم منازل من الطين والقرميد، وبعدها بسنوات أقامت مشاريع جديدة في عدة مناطق وكان البناء بالحجارة والإسمنت، ونُقل عدد من سكان المخيمات إليها لكن هذه الأيام أصعب بكثير، إذ لا يزال الناس في خيام مهترئة ولا يُعرف متى ستنتهي الحرب ولا الإعمار الذي سيستغرق ربما عشرات السنوات وسيكون جيل كامل قد انتهى وهو لم ير غزة كما كانت"، متمنيًا أن لا تطول المحنة الحالية وأن تعود الحياة للاستقرار بعدما تُبنى غزة بسواعد أبنائها الذين ذاقوا الويلات من المحتل الإسرائيلي.

ـــــ

إ.ر

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا