غزة 9-5-2025 وفا- حسين نظير السنوار
لم تبق قوات الاحتلال الإسرائيلي بعدوانها وحرب إبادتها المسعورة ضد قطاع غزة أحدا دون حزن أو وجع، فمن لم يفقد أبا فقد أما أو أخا أو ابنا أو بنتا أو حتى صديقا، ومن لم يفجع بالفقد، فجع بتدمير منزل أو حلم أو ذكريات، فالصواريخ والدبابات والطائرات مزقت شمل العائلات الغزية وشتتهم وأبادت العديد منهم ومسحتهم من السجلات المدنية، لتغيب البهجة عن كل مظاهر الحياة.
والطفل عزمي أبو دلال (12 عامًا) من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، واحد من هؤلاء الذين فجعوا بكل ما سبق، حيث فتح عينيه على اليتم والفقد، فوالده أحمد استشهد في الأول من أيار/ مايو الجاري تاركا لعزمي جروحًا غائرة لن تضمدها الأيام والسنين.
يسرد عزمي قصة والده بالقول "اصطحبنا والدي إلى أرض جده لنروي شجر الزيتون، ولم نكن ندري أن الموت كان يترصد لنا، وبينما كما منهمكين بما نقوم به، حتى سقط صاروخ أطلقته طائرات الاستطلاع التابعة للاحتلال الإسرائيلي بين قدمي والدي، لكنه لم ينفجر، حينها نهض أبي ونفض عنه الغبار، وكلمني بلغة الأمر أن أبتعد عنه "اهرب يا عزمي، اهرب أن والأولاد"، فأجبته لن أتركك وحدك، لكنه أمرني ان أهرب.
ويضيف "ركض أبي باتجاه خيمة لجيراننا واختبأ داخلها، أما أنا، فجلست على طرف الطريق أنتظره كنت أتمنى أن أراه فقط وأن يعود، مشيرًا بعد دقائق خرج أبي من الخيمة كان يمشي نحونا بخطوات بطيئة وثقيلة".
ويتابع أبو دلال: قبل أن يصل أبي نحونا، سقط صاروخ ثانٍ، هذه المرة أصابه إصابة مباشرة وقطع جسده، رأيت والدي يطير من قوة الانفجار ويرتطم بالجدار، ثم يقع على الأرض، هذا المشهد لن أنساه.
دفعت الصدمة بالطفل الصغير لأن يركض نحو بيته مسرعا، غير مدرك ما يجب أن يفعله، ومن ثم بدا يصرخ "بابا استُشهد جنب الأرض".
يعرف أهالي المخيم الشهيد احمد أبو دلال، مالك مطبخ اسطنبول، وكان معروفاً بمبادرته الإنسانية لإطعام النازحين، حيث يشكل استشهاده فاجعة للناس من حوله، لجهوده الإغاثية في ظل المجاعة المتفاقمة بفعل الحصار المستمر.
لكن هذا ليس الفقدان الأول الذي يفجع به الطفل عزمي، حيث سبق وأن فقد شقيقيه الأكبر محمود، والأصغر ركان أمام عينيه، في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، كما توفيت شقيقته الرضيعة سلام، لأنه لم يسمح لها بالسفر للعلاج بسبب إغلاق المعابر، كما استشهد عماه عزمي ومحمود، وعمته وزوجها وبناتها، وخالته وابنتها، يقول إن ظهره مكسور بفقدان أفراد عائلته لكنه كسر أكثر باستشهاد والده، الذي كان يقول له دائما: "عزمي أنت رجل البيت".
ويردف أبو دلال، الآن لم يبق لي سوى أمي وأختي الصغيرة جوري، نواجه الحياة وحدنا بلا سند، وبلا منزل يحمينا، ودون طعام، ودون مقومات.
وتشن قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانًا وحرب إبادة على قطاع غزة، ارتكبت خلالها أكثر من 12,000 مجزرة، راح ضحيتها أكثر من 62,000 شهيد ومفقود، منهم ما يزيد عن 10,000 مفقود، بينهم شهداء مازالوا تحت الأنقاض، ومنهم مصيره مازال مجهولاً، وسجل 552,787 شهيدًا و119,349 إصابة وصلوا إلى المستشفيات.
وأباد الاحتلال 2,200 عائلة بالكامل ومسحها من السجل المدني، بقتل الأب والأم وجميع أفراد الأسرة، وعدد أفراد هذه العائلات أكثر من 6,350 شهيدًا، وأكثر من 5120 عائلة أبادها الاحتلال ولم يتبقَّ منها سوى فردًا واحدًا فقط، وعدد أفراد هذه العائلات فاق 9,351 شهيدًا.
بينما عدد الأطفال الشهداء أكثر من16,270 شهيدًا ممن وصلوا للمستشفيات، حيث قتلت إسرائيل أكثر من 18,000 شهيد من الأطفال 'فرق العدد لم يصل إلى المستشفيات بعد"، وكذلك قتل 311 طفلًا رضيعًا وُلِدوا واستشهدوا خلال حرب الإبادة الجماعية.
كما أن 908 أطفال استشهدوا خلال الإبادة وكانت أعمارهم أقل من عام واحد، و57 استشهدوا بسبب سوء التغذية وسياسة التجويع، بينهم أكثر من 50 طفًلا، إضافة لـ17 استشهدوا نتيجة البرد الشديد بين النازحين المهجرين قسريًا بينهم 14 طفلًا، وأكثر 8,700 شهيدة من النساء قتلهن الاحتلال ووصلن إلى المستشفيات، وأكثر من 12,400 شهيدة من النساء قتلهن (فرق العدد لم يصل إلى المستشفيات بعد).
ـــــ
ح.س/ر.ح