غزة 7-5-2025 وفا - محمد دهمان
في حيّ صغير من أحياء قطاع غزة المدمر، وتحديدا في جنوبه، يعيش محمد منير محمود (39 عامًا) مع أسرته المكوّنة من زوجته كفاح وخمسة أبناء، في معاناة شديدة ممتدة على مدار الأيام مع مرض "الهيموفيليا"، إضافة إليه ما يجري في القطاع من قصف ونقص الغذاء والمياه.
سناء، الابنة البكر للعائلة لم تتجاوز من عمرها (12 عامًا)، وُلدت مصابة بمرض "الهيموفيليا" الوراثي رغم عدم وجود أي قرابة بين والديها، لتبدأ منذ طفولتها رحلة طويلة مع الألم والمستشفيات.
في البداية، عانت الطفلة تعرضت الطفلة لخطأ طبي تمثل في "خلع خلال الولادة"، وخضعت لعدة عمليات وعلاج مكثف في المستشفيات داخل أراضي العام 1948، وأجريت لها عمليات متعددة، واليوم أصبحت حالتها حرجة مع اشتداد المرض نتيجة انعدام العلاج، وتحتاج إلى عملية عاجلة لا يمكن إجرائها في غزة.
ومرض الهيموفيليا الذي تعاني منه سناء ووالدها محمد، هو اضطراب وراثي نادر يسبّب سيولة في الدم، وآلامًا حادة في المفاصل، وتجمّعات دموية خطيرة في البطن والمفاصل. محمد ذاته خضع لعمليات جراحية متكررة في المستشفيات داخل أراضي العام 48، بعد أن أدّت إحدى النوبات إلى حدوث نزيف داخلي كبير وخسارته لكليته اليسرى، إضافة إلى استئصال أجزاء من أمعائه، وتركيب وصلات بلاستيكية.
يروي محمد مأساته: "أعيش ألمًا جسديًا ونفسيًا يوميًا. ابنتي تصرخ ولا أستطيع أن أقدّم لها شيئًا، ليس بيدي شيء. بيتي قُصف ودُمّر بالكامل خلال العدوان، واضطررت للانتقال مع أسرتي للعيش في بيت والدتي الصغير، الذي بالكاد يسع إخوتي ووالدتي، لا يوجد به خصوصية، ولا الحد الأدنى من الراحة، وكل ما أملكه الآن هو تحويلة طبية، لكنني أعجز عن السفر بسبب الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر، أنتظر اليوم الذي أستطيع فيه الخروج مع ابنتي للعلاج، قبل أن يخطفها الموت من بين يدي".
ضياء (34 عاما)، شقيق محمد، لم يجد سبيلا سوى مغادرة قطاع غزة هو الآخر، بعد أن أُنهك في محاولة الحصول على علاج، خضع لعملية جراحية في مفصل قدمه، لكن انعدام الأدوية وانقطاع التحويلات الطبية اضطره للسفر مع زوجته وأطفاله الثلاثة إلى البرازيل للعلاج هناك.
وسط هذا كله، تتقاسم كفاح خالد محمود، مع زوجها محمد وابنتها سناء الألم، دون أن تنكسر، تقول: "لم أعد زوجة وأما فقط، بل أصبحت ممرضة، وطبيبة، وأخصائية نفسية، وربة بيت تُقاتل من أجل البقاء"، وتضيف وهي تحاول حبس دموعها، أعيش في قلق دائم، أحاول توفير العناية اللازمة لزوجي وابنتي وسط انقطاع الأدوية، أناشد من كل قلبي الجميع وعلى رأسهم رئيس دولة فلسطين محمود عباس، بمساعدتي للخروج العاجل من غزة لاستكمال العلاج وإنقاذ سناء ومحمد.
الأخصائي في أمراض الدم هشام الجعيدي، يؤكد أن مرض الهيموفيليا نادر، وقد سُجّلت فقط 152 حالة في قطاع غزة. مضيفا: "بسبب العدوان الاسرائيلي، استُنفدت جميع الأدوية الخاصة بالمرض، ولم تدخل غزة أي جرعة علاجية منذ أكثر من عام ونصف". محذرا من خطر داهم على حياة المصابين، ويدعو بشكل عاجل إلى توفير العلاج أو تمكين المصابين من مغادرة غزة للعلاج.
نبقى ننتظر الموت؟، بهذا السؤال يختصر محمد حالته، وهو ينظر إلى ابنته التي ترقد في فراشها غير قادرة على الحركة، الطفلة التي تحتاج عملية عاجلة، تملك تحويلة سارية المفعول، لكنها محاصرة خلف المعابر المغلقة، في وقت يُستخدم فيه الدواء كسلاح حرب.
تلك الحكاية ليست استثناءً، بل واحدة من مئات القصص التي تُروى بصوت الألم في غزة، حيث لا يقتل العدوان الناس بالقصف فقط، بل يحاصرهم حتى في أحقّ حقوقهم بالعلاج والنجاة.
ــــ
م.د/ر.ح